الدكتور عبد الرزاق طوقان يشارك في المؤتمر العالمي للتعليم wice2010 والذي عقد في عمان ما بين 19-20/5/2010
. في ما يلي تلخيص للأفكار التي تم طرحها:
1. كان تركيز الأستاذ الدكتور عبد الناصر أبو البصل رئيس الجنة العليا ورئيس جامعة العلوم الإسلامية العالمية في كلمته على أن التعليم قد فقد رسالته. ففي الوقت الذي يهدف فيه العلم إلى الإرتقاء بالبشرية وإحلال السلام بين الشعوب وتحقيق رفاهيتها وحل مشاكلها والرقي بقيمها وأخلاقها نجد بدلا من ذلك سفك الدماء وانتهاك لحقوق الإنسان والحريات العامة والفقر والبطالة وشح المياه والتلوث البيئي وانهيار خلقي وارتفاع لمعدلات الأمية ....من هنا تأتي أهمية هذا المؤتمر لمناقشة التحديات التي يواجهها التعليم في القرن الحادي والعشرين. وأن الجامعات هي مصانع الفكر وهي بالتالي التي يقع عليها المسؤولية في رسم الطريق وتأهيل الكوادر القادرة على حل المشاكل وإعادة التوازن.
2. أما كلمة الأستاذ الدكتور عدنان بدران المتحدث الرئيسي على مدار ساعة فقد جاء فيها العديد من الأفكار منها:
أ. العالم اليوم أصبح فيه بنك المعرفة brain-knowledge bank أكبر بكثير من رأس المال المادي. فالذي يملك المعرفة يفرض هذه المعرفة ومن خلالها يفرض قيمه. وحاضنات بنك المعرفة هي مؤسسات التعليم العالي وأخصها الجامعات. ولذلك على الجامعات أن يكون لها دور أخلاقي وعليها أن لا تنعزل عن المجتمع بل أن تقوده. لذلك تمثل الجامعات المركزية المؤسسية ولا بد حتى تقوم بدورها على أحسن وجه أن تتمتع بالإستقلالية.
ب. المعرفة تتطور بسرعة وعلى الحكومات أن تفهم ذلك. فحتى تستطيع الجامعة تحقيق حاجات المجتمع الماسة والعاجلة لا يجوز تاخير اعتماد تخصصات جديدة من قبل الحكومة فذلك سينعكس سلبا على التعليم.
ت. التعليم عملية مستمرة on-going process فلا يجوز للجامعة وما تمتلكه من تجهيزات أن تتوقف عن العمل ليل نهار بحيث يتم استغلال ساعات الليل لتطوير القطاعات العاملة في السوق والتي لا تتمكن من الدراسة في النهار.
ث. ناقش الدكتور مجانية التعليم مبينا تأييده لذلك على المراحل السابقة للتعليم الجامعي. ولكنه عارض مجانية التعليم الجامعي لكل الطلبة مبينا عدم قدرة الحكومة على ذلك وأن الطلبة المميزون هم فقط من يستحقون التعليم الجامعي المجاني. وبين خطأ من يزعم أن هذا حق أيدته المواثيق الدولية فمبثاق اليونسكو لا يقول زعمهم وإنما يؤكد وجهة نظره حيث جاء فيه: universal access for all who merits higher education. فمن يكتفي بنصف النص حاله كحال القائل ولا تقربوا الصلاة.
ج. بين الدكتور عدنان أهمية أن يكون التعيين للأساتذة مبنيا على الجدارة فقط. وأن تكون سياسة قبول الطلبة أيضا مبنية على الجدارة فقط. وحيث أن هناك اعتبارات استثنائية (منها ما هو جغرافي على سبيل المثال في الأردن أو دراسة خاصة أو ...) فلحماية مستوى التعليم يجب عمل سنة تأهيلية للطلبة اللإستثنائيين كي لا يكون لهم آثار سلبية على التعليم الجامعي.
ح. تحديد عدد الطلبة المقبولين في أي تخصص يحكمه حاجة السوق وقدرات الجامعة. فلا يجوز للجامعة أن تحيط نفسها بسور وتنعزل عن المجتمع وإنما عليها ان تتحسس مشاكله وتتفاعل معها. وإذا كانت حاجة السوق أكبر من قدرات الجامعة فلا يجوز للجامعة أن تتهاون وتزيد العدد لما له أثر سلبي على مسيرة الجامعة.
خ. أكد الدكتور عدنان أهمية blended learning فدراسة الطالب أكثر من تخصص أصبح متطلب لسوق العمل وعلى الجامعة في كافة أقسامها عمل اللازم لإتاحة أكثر من تخصص على مستوى البكالوريوس.
د. بين الدكتور عدنان إحصاءيات عديدة على نسبة الإنفاق للفرد الواحد على التعليم مبينا توسط الأردن وتفوق إسرائيل. ثم استعرض البجث العلمي مبينا أيضا توسط الأردن (لفت نظري أن فلسطين في ذيل المنحنى تمثل أدنى مستوى عربي في مجال البحث العلمي!).
أما المتحدثون الرئيسيون فكانوا الأساتذة الدكاترة فايز الخصاونة (مدة 45 دقيقة) وعصام زعبلاوي (مدة 45 دقيقة) وأنور البطيخي (15 دقيقة). وفي ما يلي تلخيص للأفكار التي تم طرحها:
الدكتور فايز الخصاونة: وكانت محاضرته بعنوان النخبوية والتميز والدمقرطه elitism, excellence and democracy . بين أن التعليم قديما كان محصورا على النخبوية elitism المبنية على أسس المال والسلطة والنسب. وأن النخبوية كانت نظام بما يحمله من ايجابيات وسلبيات. ثم انتشرت الدمقرطة بعد الحرب العالمية الثانية فازداد الطلب على التعليم العالي. فأصبح التعليم ليس مقصورا على النخبة وإنما لكل من أراد من الناس education for the masses . ولكن نظام الدمقرطة انحسر تدريجيا مع ارتفاع نفقات التعليم لصالح النخبوية التي أصبحت تعود لتشكل نظاما عالميا. وضرب مثلا على ذلك كيف كانت رسوم التعليم الجامعي في الأردن في السبعينات في مقدور أغلب الناس (25 دينار للفصل الواحد) وكيف ارتفعت وآلت لما هي عليه الآن من رسوم يصعب على المواطن الوسطي تحملها. وفي حال الإفتراض أن الخالق وزع الكفاءات على أفراد المجتمع ليتكامل ويتطور، بين الدكتور فايز أن المجتمع الأردني الحالي فقد 75% من كفاءات مواطنيه غير القادرين على تكملة التعليم بسبب ارتفاع الرسوم.
الدكتور عصام زعبلاوي: كانت محاضرته عن التفاعل بين الجامعة والمجتمع. وأهم ما جاء فيها من أفكار هي:
أ. خريج الجامعة يجب أن يكون قادر على التفاعل مع المجتمع.
ب. يجب الإهتمام بالخريج حتى يكون له دور في المجتمع كما تفعل المجتمعات المتطورة بانشاء alumni . أما العالم العربي فلا يوجد هناك أي سياسة للخريجين.
ت. التأكد أن ما دفعه الخريج حصل على أضعاف مردوده عند تخرجه cost effective هذا ضمان لاستمرار الإقبال على الجامعة.
ث. سوق العمل يتغير بأسلوب جذري. في البدء كان العمر النصفي للمعلومة half cycle قرن (100سنة) ثم أصبح 25 سنة ثم أصبح عند بعض الخبراء 5 سنوات. بعد 15سنة يصبح 90% من المعلومات معلومات عامة. لذلك يجب أن يكون التعليم مستمرا لكل الأجيال وليس للأجيال القادمة.
ج. الجامعة تقود المجتمع وليس العكس. أي لا يجوز أن يقود المجتمع الجامعة. فالجامعة لديها مسؤولية اتجاه المجتمع.
ح. مهام الجامعة الثلاث يجب أن تتطور في ظل العصر الحالي لتلبي حاجات المجتمع: فالبحث يجب أن يصبح ابتكار innovation وخدمة المجتمع يجب أن تصبح مشاركة والتعليم يجب أن يصبح تعلم.
خ. حتى يكون التعليم ايجابيا يجب: توفير الإمكانات العصرية، تطوير المعلمين، تطوير أسلوب التعامل، تطوير طريقة التقييم...
د. أكد ضرورة أن يكون تخصص رئيس وتخصص فرعي major and minor. ثم طرح إمكانية تطوير ذلك ليصبح double major or even triple major. فالمعرفة الآن معرفة شمولية تكاملية.
ذ. اختتم الدكتور على أن المهم ليس توليد الأفكار فقط وإنما الحرص على تطبيقها.
الدكتور أنور البطيخي: أكد الدكتور أنور فشل تجربته حين سافر إلى أمريكا مجددا لقضاء سنة تفرغ علمي. فقد تفاجأ أثناء تسليمه لمحتويات المساق أن طلبة الماجستير لم يسبق لهم مثل هذا النمط من التدريس: كتاب معتمد ومراجع بحثية وبحوث يجب أن يقدمها الطالب في خلال الفصل. وقد قام الدكتور باعطاء 9 ساعات أسبوعية بدلا من ثلاث. وبالرغم من كل الجهد المبذول سقط لديه نصف الشعبة. بيّن الدكتور ما هو معروف لديه ولزملائه من أن طلبة السبعينات والثمانينات أفضل من الطلبة الحاليين. ولكنه تساءل إذا كان الامر هكذا فلماذا هم أذكى منا في تعلم الوسائل العصرية كالحاسب والجوال وغيرهما. تساءل الدكتور هل أنهم غير مؤهلين أم أننا لا نحسن الإتصال بهم؟ كان استنتاج الدكتور أن هذه النظرة الفوقية لدينا خاطئة واننا لا نحسن الإتصال بهم! بين الدكتور أنور أن العالم يتجه اليوم أكثر وأكثر نحو الإنفتاح بينما تعليمنا السابق والحالي مغلق.
استعرض الدكتور أنور عدة احصائيات منها أن العرب كلهم ينفقون 1.7بليون دولار على البحث العلمي في حين أن جامعة هارفارد لوحدها تنفق نفس المبلغ، وإسرائيل تنفق 6.1بليون. وأن عدد الباحثين العرب لكل مليون من السكان 136 باحث مقابل 1359باحث إسرائيلي و 4374باحث أمريكي. لم أتمكن من معرفة السنة التي حصل فيها على هذه النسب ولكن أغلب الظن لدي أن النسب حديثة وإلا فقدت معناها.
باقي الجلسات
ترواح عدد الأبحاث المقدمة في كل جلسة من 9 إلى 30 بحثا في الجلسة الواحدة التي مدتها 2 ساعة. بالطبع وجود 9 أبحاث يتيح فرصة 10 دقائق للمتحدث الواحد ويبقى نصف ساعة لنقاش 9 أبحاث! هذا في أحسن الاوضاع. أما وجود 30 بحثا فلو لم يكن هناك غياب لأصبح لكل بحث 3 دقائق للتقديم! كان المتوسط 5 دقائق لكل بحث وبالطبع هذا الوقت لا يكفي! أي أن الأبحاث لم تأخذ حقها في التقديم.
الجلسة الإفتتاحية كانت باللغة العربية مع وجود أجهزة ترجمة للناطقين بالإنجليزية، أو العكس. أما باقي الجلسات فكانت أغلبها باللغة العربية لقلة الحضور الأجنبي دون أجهزة ترجمة.
لقد سمعت بعض الأجانب من اليونان يقولون أنهم تكلفوا مصاريف كثيرة رسوم (رسوم المؤتمر لهم ثلاثة أضعاف رسوم الاردني) وسفر وإقامة ومن غير المنصف أنهم لا يستفيدون من تقديم الأبحاث باللغة العربية وضمن هذا الوقت الضيق، كما أن الوقت المتاح لهم لعرض أبحاثهم ونقاشها غير كاف. كان الأولى زيادة أيام المؤتمر وإتاحة الفرصة لنقاش ايجابي أكبر.
كانت الأبحاث متنوعة في الأفكار والوسائل. محاور المؤتمر المرفقة تبين مدى التباين في الأبحاث.
الخلاصة:
مع التطور الهائل في الوسائل التعليمية والإنفتاح الهائل والتعاون المعرفي بين الامم أصبحت الطرق التقليدية في التعليم لا تتناسب مع المهارات المطلوبة في سوق العمل. فاستخدام الوسائل المتعددة في التعليم وحوسبة وعولمة التعليم وانتشار الإنترنت أصبحت من المسلمات اللازمة لتأهيل المتعلم لسوق العمل. وأصبح التميز في التعليم يتطلب توفير الأستاذ والبرنامج والمنهاج والنظام والإدارة والتلميذ والوسائل المتميزة. والمؤسسة المتميزة هي التي تحقق التميز في كل ما سبق.
أوصي بعمل مؤتمرات للتعليم ونحن في مطلع القرن الواحد والعشرين يمكن من خلالها تحديد التحديات. ومن ثم وضع خطط تتسم بما يلي:
- القدرة على تطوير توظيف الوسائل والتطبيقات التكنولوجية في التعليم (استخدام الوسائل المتعددة multi-media والحاسب والجوال والإنترنت ...). أحد الباحثين الماليزيين وضع مشروع وبدأ بتنفيذه لإنتاج أفلام تعليمية عن مشاكل مجتمع حقيقية وما يلزم لحلها بالتعاون بين كليات التربية والفنون وتكنولوجيا المعلومات.
- ديناميكية تحمل في طياتها إمكانية التطوير المستمر واستيعاب المتغيرات الديناميكية السريعة. فالخطط في وضعها الحالي في العالم العربي كثيرا ما تأخذ فترة نصف الحياة من الوقت قبل أن تُعتمد! مثال: نضع في الخطة لغة برمجة دون تحديد للغة ونقوم بتعليم أكثر اللغات تطورا واستخداما.
- في الختام ملخص لبحثي الذي أردت فيه تقديم مشروع الأسلمة بديلا للعولمة. فالعولمة لا تنقل التكنولوجيا فقط وإنما تنقل معها القيم. فنحن نعلم أثر استخدام الأقمار الصناعية والجوال والإنترنت على أبنائنا الطلبة وعلى القيم التربوية. ونحن لا نستطيع أن ننعزل عن العولمة بل لا بد من الإستفادة منها ضمن منظورنا القيمي لتحقيق التوازن المطلوب. نجحت العولمة في المنهاج الإستقرائي induction ولكنها وهي تحاول مشكورة وضع مرجعية عالمية فشلت في المنهاج الإستنباطي deduction، مما أدى إلى فساد خلقي وبيئي ... وبوجود ذكر للعالمين بين أيدينا وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ(52)القلم سيكون لدينا قدرة لتقليم المعرفة البشرية لننتقل مرة أخرى من أمة أمية (لا تعلم الكتاب) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ(78)البقرة إلى أمة قارئة وقادرة على المساهمة في خيرية الامم كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ(110)آل عمران . أوليس الماضي هو صانع الحاضر، فلم لا نجعل الحاضر يصنع المستقبل!